Wednesday, September 28, 2016

مومو وسحر استماعها ~ تأليف آية الله جمال الدين



لم تكن مومو تفعل شئ سوي الانصات بجدية لمن يأتيها طالبا النصيحة ..لم تطلب من احد جاءها يوما بالبدء بالحديث كي تُخرج له من جعبتها نصيحة ذهبية لها مفعول السحر !

 كانت تترك له حرية تقرير ذلك..
لم تُحدد لاحدهم ان يختصر قدر المُستطاع او ان يُسرع من رّتم حديثه ..
لم تضجر من سماع ادق التفاصيل واهونها عند الكثيرين ..

لم يتملكها الملل والسئم لحظة واحدة فكانت تشعرك ان قضيتك هي قضيتها الاولي دُون ان تؤكد ذلك بكلمة واحدة ..

كانت نظرتها الحالمة ..الحانية ..كفيلة ببعث الاطمئنان الي داخلك فيعمه السلام وتبدأ في الحديث دون خوف ..ربكة ..خشية من رد فعل قد تُصدره علي ماتسمعه يُؤنبك طيلة حياتك علي اتخاذ خطوة كٰهذه واطلاع احدهم علي مكنون سريرتك ..  دوافعك الخفية  ..

اكثر ما كان يُميز مومو .........

انها بانصاتها المُحكم تُمكنك من سماع صوت قلبك واضحا جليا دون تشويش.

تجعلك تضع يدك علي الحل دون أن تدخل حتي ...تُدرك بالحديث اليها خبايا من سقطات لسانك تكشف لك سر تغييب عقلك عن الحل وانه كان امامك ..لكنك لم تستطع رؤيته وحينما استمعت لصوت قلبك أبصرت الحقيقة وانكشف الستر وبان امام ناظرك
وهدأ بالك وارتحت من أحمال كانت سرابا تلهث ورائه
!

اكدت مومو بحسن استماعها ......
انه من السهل اصدار الاحكام دون تريث ..وقطع اواصل المحبة بفهم خاطئ وتبرير غير عادل لكن وحده البوح والإنصات يهزم كل الاحكام ويُبددها فتتلاشي كأن لم تكن
..... !!!

قد يستمع اليك الكثيرون لكن ليس كمومو
حسن استماعها اليك كان يصحبه الشعور بالارتياح التام وكأنك تتحدث مع ذاتك او تنظر بتمعن في مرآتك ذات صباح ..فتلقي مابداخلك جملة واحدة دون ترتيب او الاخذ في الاعتبار أن هذا يمكن البوح به وذاك لا
اغلبنا يُفضي بما يريد حفاظا علي صورته ويُخفي أمورا في روايتها خلاصه وانتهاء مراره لكنه يزويها في زاوية بعيدة ويُضيف اليها المزيد يوما تلو الاخر مع الاستمرار بحكي ما يريد

كان هذا سر من اسرار مومو..

انك بالحديث اليها تتخلص من كل تلك الشكوك
فابنتهاء الحديث معها تجد الراحة آتتك وتخلصت مما يُعكر صفوك بإلقائه خارجك
واصبحت تُبصر نورا كان ما تُخفيه يسد منافذه
!

ان امتلكت صديقا كمومو..
ستُلهمك وتُشعل فتيل حماسك فالحكي معها ليس للشكوي وايجاد الحلول دائما ..
وانما البوح من اجل البوح ..انت تُشارك افكارك الخصبة في أول قطفة لها مع بستاني يُقدرها حق قدرها حتي وإن بدت غير مألوفة او اعتيادية .. وكأنها بذورنبات مجهول لا يُعلم بعد ما الذي سيُصبح عليه .. لكن نظرة الثقة اللتي تلمسها ستكون محفزك علي المضي قدما ..

خيالك الخصب سيزهو ويُثمر ..ستري انك تحكي أمورا ربما لا تعرف عنها شيئا من قبل ولكن رغبتك في الحديث الي صديق محبب الي قلبك تشعر معه بكيانك وعفويتك يترك لك المجال لتُبحر بخيالك في بحار لم تزورها ..مُدنٍ لم تطأها قدمك ..ستجوب العالم برفقته وتولد روحك معه في كل حديث ...

لم تكن تسمع وكفي ..ولكن كانت تعلم متي عليها التدخل ومساعدتك لايجاد ما خفي عنك
وهذه فائدة اخري من فوائد المستمع الجيد ..انه يتدخل ويقدم العون حينما تعجز انت من الوصول للحل ...او ايجاد مخرج النجاة
دون تفلسف او تزيين ذلك ....

فقط بأبسط الطرق وايسرها لتقبل قلبك وعقلك دون حرج او تكبر .....!
عليك حينها تقبل المساعدة وحتي وان ظننت انها لن تُفيدك عليك محاولة ان تُجرب ربما تجد ماكنت تبحث عنه !
عليك تقبل ان الاخر قد يعلم مالم تعلمه حتي وان بدا لك الامر غريبا وغير مألوف
!

ما ستجنيه ان صدق الامر افضل بكثير من محاولات التكهن والترصد بكل جديدٍ عليك
واقاعه ضحية قلة علمك بكل شئ
!

تقبل انه في احلك الاوقات ظلام وأكثرها شدة تجريب طُرق جديدة حتي وان لم تفلح لن يُغير في شدة ظلماها ..فالظلام واحد وتدرج اللون الاسود لن يُغير من حقيقته !

لكنك حتما ستفرح ان صلح الامر...

بالحديث مع مومو ستترك بها شيئاً منك دون عمد ..فإذا غبت عنها وقتاً كثيراً ورأيتها صدفة ستسعد ليس لرؤيتها فقط وانما لرؤية ما بقي منك عندها ..ماكان يُسعدك بالحديث معها ولم تكن تُدركه!

ان الحديث مع احد بشفافية واهتمام كمومو يُترك بالنفس صدي ..نوراً تفتقده اذا ماغاب عنك وخفت تأثيره ....
ابقائك لاحد كمومو بجانبك يُفيدك حتماً وكأنه يعلم مفاتيحك وكيف يبعث النور اليك...ويعلم كيف يُعيدك الي مركز اتزانك اذا تخبطت وتاه طريقك
!
وحتي وان كان جُلّ ما يفعله الانصات بِجد..

كانت مومو تُقدر حكاوي اصدقائها كثيرا ..وتبحث عنهم اذا ما غابوا ..وان كانت تعلم ان حديثهم يكون في بعض الأحيان لامر جلل فإن التزامهم الصمت لامر اعظم واشد من أن يُحكي!
لم تكن تُجيد سماع الكلمات المنطوقة وحسب
!

انما قُدرتها علي قراءة صمتك تُذهلك ..تجلس بجوارك دون أن تنطق بكلمة واحدة فقط تنظر في عينيك لتُخبرك أن احداً مُهتم لامرك .. حسناً لا تبتئس  انا هنا بجوارك اردت الحديث او لم تُرد انا بجوارك حتي تُصبح بخير ....
وقدرتها علي قراءة ماتُخفيه كلماتك وردود افعالك اكثر ما يُدهشك ..اذا تملكك الغضب وكسرت
نافذة وهاج بك الغضب لامر لابأس بتمريرة عند الكثيرين ,بحضرة مومو الامر يختلف لا تلم عليك ولا تمتعض فقط تتركك حتي تهدأ..
كأن لديها تواصل روحي أمكنها من سماع الم اعتصر بداخلك ..ضجيج بعقلك لا يُمكنك احتماله ..وضع بات التعايش معه صعباً وملأ غضبا بداخلك افرغته حينما اُتيحت لك الفرصة وان كان في غير موضعه!
لكن مومو تُقدر وتستمع حتي للأمور الغير محسوسة وملموسة وتستمع باهتمام لخبايا النفس!
بعد انتهاء حديثك مع مومو...
ستتأكد ان وقتك هذا لم يكن ضائعاً قط
بل تأكد انك بجعل الايام تأخذك في دورانها علي عجل ..محاولا بستماتة انهاء هذا واكمال ذاك انك تُضيع روحك مع الايام
اهمال حديث الروح .. يٌميتها يجعلها بالية تضمر مع الوقت ..يحدث ذلك ببطئ
لا تلاحظه الا حينما يكتمل وتضع يدك علي صدرك حينها فتشعر ان خواء اصبح بداخلك !
لم تعد تُعير اهتمامك لتفتح زهر .. هطول مطر..اشراقة شمس دافئة صباح يوم اثر ليلة باردة..
لم تعد تُميز بين ما يُسعدك ومايُحزنك ...ماله قيمة وعليك التمسك به واهدائه بعضاً من وقتك واهتمامك متأكدا بذلك انك تُنفق وقتك في الجهة المشروعة ..الجهة اللتي تستحق ذلك بكل جدارة ..وبين ماعليك اضمار الوقت المصروف فيه.يُميتها يجعلها بالية تضمر مع الايام ..يحدث ذلك ببطئ لا تُلاحظه الا حينما يكتمل وتضع !
حديثك مع مستمع جيد كمومو. ..يُطيب روحك ويحميها من الضمور!

No comments:

Post a Comment