Wednesday, September 28, 2016

رواية عن مومو ورواية عن حياة البشر ~ تأليف ياسر محمد عبده



في البدء خلق الكاتب روايته في اللامكان واللازمان ، بعدها تفرغ ليضعها في وجداننا ، لم تكن "مومو" الطفلة الصغيرة إلا إنبعاث من داخلنا نحن أو بالأحرى إنبعاث لروح الكاتب جسّده لنا على الورق ليسمو بأرواحنا وتطوف في سماء الإبداع . لم أتساءل طيلة قراءتي للرواية عن ماهية مومو أو من أين جاءت وأين والداها ؟ ، أو لماذا هذا المكان مع هؤلاء الناس بالذات ؟، لم يدر بخلدي أن أتدخل بروحي في سير أحداث القصة أقصد مومو وليس أنا ، ولكن أظن أن أحداً غيري كان لابد أن يتدخل هو أيضاً فى حبكة القصة كما رأيتها أنا ، أقصد كما رأتها مومو ، لم تُخلق مومو من العدم أو في العدم وإنما خُلقت لتتشبث بنا وبكل أبطال الرواية وتزيح الهم الضاغط على قلوبنا ، لم أكن أعلم أنى سأحتار كل هذه الحيرة وسط الألغاز والرموز والأشياء غير المفهومه ، أقصد أن مومو هي التي احتارت ولكن اعذروني للمره الأخيرة أن أضع نفسي مكانها .

لم تكن مومو المشرده والتائهه الوحيده ولم تكن هي الوحيده التي لا تعلم أين هي أو متى كان الوقت حينها ، ببساطة لم تكن الرواية تحكى عن مومو وحدها أو الأشخاص المحيطين بها فقط ، انها تحكي عنا نحن سائر بني البشر ، ويمكن لأي شخص أن يعتبر نفسه مومو أو أن الكاتب خصه هو بتلك الشخصية ، فهي تغوص داخل كوامننا لتفسر لنا حيرتنا وأسئلتنا اللامتناهيه عن أشياء كثيرة تعبنا من أن نجد لها تفسير كمسألة الزمن ، وليس هذا فقط بل رأينا إحتياجنا وشعورنا وأحاسيسنا تخرج مع كل كلمة تُقرأ من صفحات روايتنا .

·        اللامكان يوجد في المكان
نبتت مومو من الأرض التى وقفت عليها وظل الناس يحدقون بها ، من أين جاءت أو إلى أين كانت ذاهبه ؟ هي لا تعلم ولا أحد يعلم ، كأنها بنت تلك الأرض ونبتت حين ناداها المكان لإحساسه بخطر ما سوف يجتاحه ، وفي الحقيقة قد يكونهذا المكان استدعاها ليلاً من خلف القضبان لتترك الظلم وتهرب إليه . " لكن ألا تستطيعون أن تتركوني أسكن هنا فقط ؟ " كان هذا ردها حين أحست أنها ممكن أن تغادر هذا المكان وتلجأ إلى السكن لدى أحد الواقفين لاستجوابها . منذ ذلك الحين كانت قلب المكان ركيزته رغم أنه أطلال ولكن لم تلحظ هي ذلك أو لم يكن في بالها أو بال الناس بعد أن أتت إلى هذا المكان .

     ثم تكتشف مومو أنه يوجد " لامكان" فى المكان الذي تعيش فيه ، هي لا تعلم مكانها وأيضاً لا تعلم أين تقع " حارة- لم تكن أبداً " أو منزل " اللامكان" ، لنشعر نحن أنها تعيش بجوارنا لا بل تعيش بداخلنا وتعلمنا أنه لايهم أين نوجد نحن أو من أين أتينا ، بل المهم أن نكون نحن المكان ، أن نخلقه ونبعث فيه الحياة .

·        ما الزمن ومن أين؟

ماهو الزم زمن أين يجيء ؟ سؤال خطر بعقل كل إنسان بالطبع ، ولم يجد له إجابه وافية أو ملموسه ، واحتار العلماء في تعريفه أو إثباته ،ولكن كل المحاولات باءت بالفشل ولم يتوصلوا إلى نتيجة محدده ،والكاتب بالطبع لم يتوصل إلى ذلك في روايته ورغم أن ماحكاه لنا عن الزمن أسطوري ولكنه يوصل لك ماهيته ومن أين يأتي ؟ وفي نفس الوقت لا تقدر أن تفسره أو تشرح مافهمته ، " فيجب أن تنمو الكلمات بداخلك أولاً" وحتى ذلك لن يجدي بالنفع ، وكما تراني الآن وأنا أدور في حلقة مفرغة لأوضح لكم ما فهمته وما وصلني عن ماهية الزمن ، لكني على ما أظن أني عاجز عن التعبير عنه ، ولكن يمكنني أن أقول أنه مثل جميع الأشياء الموجوده حولنا ، مثل الأشجار والرياح والماء ومثلنا نحن ، أتى من حيث أتينا ولكنه شئ غير مادي وغير ملموس .

كيف لنا أن نتخيل الكون بدون ذلك الشئ الذي ربما أبتدعنا اسمه أو ابتدعناه نفسه ، الحل يكمن في أن نجيب أولاً من أين يأتي كل شئ هل هو من عند السيد أورا ؟ ومن هو إذاً ؟ أنا سوف أتكلم عنه وما يمكن أن يرمز له الكاتب فيما بعد ، ولكن يبدو الزمن كذلك من عنده هو ، هو الذي يخلقه ويبعثه للبشر من مكانه الموجود فى " حارة-لم تكن أبداً " وبالأخص من منزل " اللامكان" ، هل زهور- الساعات لها وجود فعلاً ؟ أكيد لم يرى " ميشائيل إنده " زهور- الساعات هذه من قبل ولكنه بالطبع يرمز بها لشئ ما لابد أن يكون الزمن صادرًا منه .
 حيث يوجد الزمن يوجد البشر ، وبتوقف الزمن لا توجد حياة ، هذه فكرة سديدة فى رأيي ، أي أن الزمن أهم من أي شئ آخر على الإطلاق ، أهم من الماء و الهواء ، وأظن أيضاً أن الهواء الذي نتنفسه والزمن مترابطان ، فلو لم يكن هناك زمن لا يمكن أن يدخل الهواء بداخلنا ويحدث فينا الحياة ، أي أن الزمن يساوي الحياة ، ولكل إنسان زمن محدد له يعيشه ، زمن صادر من زهرة- الساعات ذات الألوان المبهجه التي لم يراها أحد من قبل ، وتستقر هذه الزهرة داخل قلوبنا لتمدنا بالزمن المحدد لنعيشه .

الزمن يحتاج منا أن نستخدمه كله ولا ندخر منه شيئاً لإستخدامه فيما بعد ، أي أنه يتحتم علينا معايشة كل لحظة نمر بها ، ليس في العمل فقط ولكن في الأشياء التي تجعلنا سعداء ومبتهجين ، إنه زمن واحد سنعيشه ، زهرة- ساعات واحده لدينا ولا يمكن إرجاع أوراقها التي ذبلت مرة أخرى ، تنشقوا رحيق كل ورقه قبل ذبولها وتمتعوا بمنظرها الخلاب قبل أن تسقط ولا يمكنكم إرجاعها مره أخرى . حياتنا لن تتوقف ولا يمكننا إيقافها لإرجاع زهور- الساعات المنهوبه منا والتي ضاعت هباءًا .

·        تحتاج ألا تحتاج

الاحتياج عندنا جميعاً يظهر في الرواية بوضوح ، لا أحد منا يحتاج أن يكون محتاج لشخص آخر ، ولكن دون أن ندري فإننا نشبع رغبات الإحتياج عندنا ، فمومو لم بتدي احتياجها لأب أو أم وحتى أن يرعاها أحد ، ولكن هي فعلاً تحتاج إلى أشخاص حولها يشعرونها بأنها مازالت على قيد الحياة ، ومن ناحية أخرى كان الناس المترددين عليها يشبعون رغبات احتياجهم بأن يستمع أحد إليهم بإنصات تام ، كانوا في حاجه للبحث عن أنفسهم من خلالها ، وكأن جملة " لابد أن تذهب إلى مومو " هي الدواء الشافي لإحتياجهم ، ولكن عندما أشبعوا رغبتهم هذه بحثوا عن اشباع الرغبات الأخرى التي كانت تطوف حول كل واحد منهم ، كلهم احتاجوا أن يدخروا الزمن لأنهم يحتاجوا أن يعيشوه في حين آخر رغم أن هذا الإدخار ينهكهم ويسلب منهم حياتهم وحريتهم .

عندما فقدت مومو الشعور بإشباع احتياجها للناس والأطفال من حولها ذهبت إليهم وحاولت إرجاعهم ، ولكنهم كانوا في احتياج شئٍ آخر ، وكانت تسعى لإسترجاعهم لحياتهم الماضية ويعودوا إليها ، جميعهم كانوا يحتاجون إلى مومو وهي أيضاً كانت تحتاج إليهم بطريقة أو بأخرى ، ولكن احتياج السادة الرماديين لزمن الناس ووقتهم جعلهم يوسوسون لهم عن احتياجات أخرى كانت أقل أهمية بالنسبة لهم .


·        الخير يوجِد الشر

لن أذهب إلى فرضية هل الخير موجود قبل وجود الشر أم العكس ؟ ، لأنها ليست قضيتنا وأيضاً ليست قضية الكاتب ، ولكن الصراع الذي خلقه الكاتب جعل هناك رموز للخير ورموز أخرى للشر ، ولابد هنا أن أذهب إلى المعتقدات الدينية ولا أعرف هل الكاتب رمز إلى الدين والإله والشياطين حقاً أم لا ؟، إنه مجرد شعور عندي عندما قرأت الرواية فبُرمجت هذه الرموز ( السيد أورا والسادة الرماديين) إلى رموز دينية .

    أنا الآن أقف على أرضٍ متزلزلة ولا أعلم من أين أبدأ أو كيف أسرد والأفكار التي وصلتني حول هذه الجزئية ، لكن بعدما أقول أني فهمت أن السيد أورا هو الإله المحب للخير مانح الزمن والحياة للبشر ويرى كل شئ ، وأن السادة الرماديين هم الشياطيين الأشرار الذين يوسوسون للناس للإنشغال بالحياة وترك الأمور الطيبه وسرقة حياتهم منهم ، سأتوجه إلى قضية الخير والشر التى طغت على الرواية ، إنه الصراع الذي غالباً ماينتهي بإنتصار الخير ونحن أيضاً من نريد أن ينتصر الخير برغبه من داخلنا .

    هنا انتصر الخير ولكن بمساعدة من طفلة صغيرة تملك بداخلها البراءة والعفوية والذكاء أيضاً ، إنها نفس صفات البطولة ، فلابد للأبطال أن يكونوا أذكياء وبداخلهم فطرة تسعى نحو الغير وبراءة الأطفال ودهاء الكبار أيضاً . إن الأطفال في الرواية أرادوا أن يرجعوا الأشياء الجميلة التي كانت موجوده من قبل ولكن نهبها الأشرار ، لا حدود لمن يريد أن يوقف تقدم الشر ، الأطفال وحدهم من كانوا يملكون الوقت من يملكون الحياة والخير وبدورهم يمكن أن يقضوا على الشر .

     لم تكن هذه فقط المحاور التي تدور حولها الرواية ، ولم أكن أحب أن أنهي حديثي عن هذه الأشياء ، لكن كاسيوبايا كتبت لي على ظهرها " سينتهي المقال الآن " .

No comments:

Post a Comment