Wednesday, September 28, 2016

مومو أسطورة الحب والسلام ~ تأليف مروة السيد حسن

هل جربت أن يحبك أحدهم من قبل؟! جملة وردت على لسان بطلة الرواية عندما حاول واحد من مربع الشر- واحد من الرجال الرماديين-  فى الرواية استدراجها لتقع فى حبائلهم ، ولكن هذا السؤال كان هو النقطة الفاصلة ، ليسهب بتفاصيل خطتهم الشيطانية ، إنهم يسرقون من الناس أوقاتهم والتى هى حياتهم ويجمدونها فى ساعات هى ساعات الزهور ، فكيف لهذا الرجل أو جماعته أن يعرف معنى الحب والدفء الذى يجرى فى عروق هذه الصغيرة التى صنعت لنفسها من مشاعرها الطيبة مملكة الحب ، نعم هى  وحيدة ليس لها أهل وفقدت والديها ولكنها صنعت لنفسها بحبها للجميع الدفء والحب والعائلة ، هى تمتلك موهبة الاستماع والاحتواء فتنشر سحرها الخاص الذى يمس القلوب ، فكيف يمكن لرجل رمادى خاوى المشاعر جامد النفس أن يفهم معنى الحب والاحتواء ، فهو الذى يحيا على معاناة وموت أوقات الآخرين ، مومو بطلة الرواية الطفلة الصغيرة ، بسيطة المظهر ، ذات الأنامل الصغيرة ، تشعر بالخطر بعد اعتراف الرجل الرمادى بالخطة الشيطانية ،ولكنها لم تستسلم بل تشاء أحداث الرواية أن تصنع منها البطلة الأسطورية ، فتحاول فى البداية ان تجمع الأطفال ، ليجعلوا من صوتهم صرخة فى وجه الجميع فى وجه من يضحى بوقته أى يضحى بحياته ، ولكنهم  - اى الناس - لا يشعرون بأى شىء ، بل أن ليس لديهم مانع أن يضحوا بأطفالهم كذلك ، ولكن أحداث الرواية تتصاعد عندما تلتقى البطلة الأسطورية بطلة الحب والسلام بمساعدة السيد أورا حارس الزمان الذى ساعدها فى معرفة حقيقة ما يحدث حولها ، ورغم صعوبة تحرير أوقات الناس ، وتعرض حياة مومو نفسها للخطر ، ولكن هيهات لصانعة الحب والسلام أن تستسلم أو تعرف معنى الهزيمة ، إنها تحارب من أجل الحياة من أجل حياة البشر وتقاوم لصوص الزمان من منزل اللامكان وفى زمن اللازمان بمساعدة السلحفاة كاسيوبايا  فمومو هى من صنعت من الناس أهل لها ، وصنعت من بيبو الكناس أبا أو إنسانا ارتبط بها لدرجة كادت أن تفقد عقله، فهى أمانه، وحياته الأولى التى حاول أن  يحارب من أجل أن تبتبعد مومو عن نفس نهايته أو مصيره ،فتاة صغيرة ، عارية الأقدام رثة الثياب ، تحارب تجار الشر ولصوص الزمان ، تحاربهم من أجل البقاء ، وتنجح مومو فى النهاية فى أن تقضى على هؤلاء الرجال الرماديين ، الذين تحوى صدروهم الدخان المميت ويعيشون عليه وعلى موت أوقات وحيوات الناس ، ليفرح الجميع فى النهاية ، وعندما تحرر مومو زهور الساعات يعود للناس أوقاتهم المنهوبة ومشاعرهم الدافئة ، وتنتشر أوراق الزهور فى كل انحاء المدينة لتغطى الزهور الطرقات والمبانى وحتى البشر ، فما احوجنا اليوم إلى مومو مرة أخرى فى مجتمع تفوح منه رائحة الكراهية والحقد فقد انتشر الحقد كالسرطان يهاجم النفوس وينتشر بها ، فقد اصبحنا نكره بعضنا البعض من خلال كلمات قاتلة نتراشقها ليلا ونهارا ، وليس ببعيد أن يقتل بعضنا البعض خلافا على نتيجة مباراة كرة قدم ، أو حتى على ابتسامة أو حالة مزاجية طيبة ، مومو الصغيرة التى لم تبكى فى يوم من الايام على وحدتها ولم تعاتب قدرها على وحدتها فى الحياة على فقدها لاسرتها على بيتها الذى  كان فى جزء من الشارع ، بل على عكس كل الأحداث قبلت قدرها واستمعت واحتوت وزرعت الحب  فى الصدور والدفء فى المشاعر ، بل تزرع السعادة فى نفوس الأطفال وترسم الابتسامة بالقلوب ، فهل نحتاج اليوم إلى مومو لتهبنا العطاء والحب  ونتخلص من السحب الدخانية السوداء التى أصبحت تحاصرنا فى كل مكان ، وهذه السحب لم يصنعها حريق المخلفات الزراعية او عوادم السيارات ، ولم يصنعها لنا الرجال الرماديون ولكننا نحن من نصنع السحب الرمادية اليوم ، بل ونتنتنفس الحقد والرياء ، بل ونجعل من بعض الخبث والمبادىء سلم للوصول إلى المصالح والأهواء الشخصية ، يحتار قلمى بين السطور، ليحصل على الإجابة فهل عاد الرجال الرماديون من جديد ليسرقوا من الناس أوقاتهم الا وهى حياتهم ووأفراحهم وطموحهم وآمالهم ، أم أنه شيطان أسود تكون من رمادهم بعد أن تخلصت منهم مومو خيم بأنفاسهم السوداء على البشر لينشروا الحرب والدمار والقتل والنهب والاغتصاب أم أن مشاعر البشر ذهبت فى سبات عميق وضمائرهم ماتت وضمتها القبور ، أم أن داخل كل منا صناديق زجاجية توجد وتولد داخل كل إنسان فينا فتدمرها الكلمات السوداء ولا يمكن لإنسان أن يتحرر منها أو يعود كما كان قبل ذلك ، أم انها أسوار بنيت من أحجار لا فكاك للإنسان منها ، الكثير منا أصبح يفكر فى اللاشىء عندما يفقد مشاعره ، والكثير منا يسير بلا وعى ، يطلب فقط من يسمعه ومن يشعر بألمه ، يخاف قلمى أن يصدق فرضية أن بعض الرجال الرماديين قد تفلت من مقاومة مومو له ، وخرج من بين الظلام والسأم المميت ليبث وينشر اللاشىء فى النفس ، والظلام فى النفوس بل أن الرائحة المنتشرة أصبحت هى رائحة الحقد والكراهية ، لم يعد لدينا أوقات لمن كانموا سبب فى وجودنا فى الحياة ولا لفلذات أكبدنا ، هناك فى مكان ما فى هذه البقعة ، قد تكون فى اللامكان واللازمان إنسان ينبض قلبه ويتوسل بيديه إلى أن يصل إلى شخذص أخر يسمعه ويفهمه ويحبه ويشعر به ، حتى يشعر بأنه لم يعد وحيدا ولن يعد وحيدا كما كان ، فهل مومو الصغيرة هى الوحيدة القادرة على ذلك ، أما أن مومو قبل أن تختفى مرة أخرى داخل سطور روايتها الأسطورية مرة أخرى ، بثت فينا جزء من روحها الطيبة والطاهرة ، تبث فينا الحب والاستماع والتقدير والمعايشة حتى يفهم ويشعر ويحب الناس بعضهم البعض من جديد ومن هنا فقط تكون الحياة، فمشاعر مومو الدافئة والاحتواء والحب الذى بثته فى صدر بيبو –الكناس – هى المحرك الأساسى ليبحث عنها بعد أن ظن أن الرجال الرماديين قد قاموا باختطافها ، فحركته مشاعره ومشاعره فقط إلى أن يبحث عنها بل أن مشاعره حركته ان يقبل مساومة واحد من الرجال الرماديين له على وقته على حياته  على نبضات قلبه مقابل أن تعيش مومو فى سلام ، بيبو الذى ارتبط بها وحاول بكل مايملك – ولم يكن يملك غير الكثير من المشاعر – أن يفديها بها حتى تعيش هى فى سلام حاول بيبو أن يحميها من مصير اوشك واقترب ان يتحقق لها وان تحيا فيه ، ونجح بيبو بأمله وحلمه ومشاعره أيجد طفقلته، وان يحتضنها بمشاعره الصادقة؟
 فأرى أن قلمى يصرخ كاتنبا على السطور ، أننا نحتاج بالفعل الى مومو مرة أخرى ، مومو ذات الثياب الفقيرة والأقدام العارية والأنامل الصغيرة والنظرة الحانية وفن الاستماع ، مومو التى تضم الجميع اليها ، وتحتضنهم بقوة لتجعلهم يتخلصون من السحب السوداء ومن الغيوم المميتة ومن البقع الحمراء ، لينعم الجميع بالحب والسلام ، فيعيشون بأسطورة لا تنتهى .
المراجع :
1- رواية مومو ، تأليف ميخائيل انده ، ترجمة باهر الجوهرى ، طبعة 2005، دار الفكر المعاصر


No comments:

Post a Comment