Wednesday, September 28, 2016

الوقت ..كنز حياتنا ~ تأليف سارة محمد مصطفى




هناك سر كبير ولكنه عادي تماماً ، كل الناس يشاركون فيه وكل فرد يعرفه ،ولكن اقل القليل يمعن التفكير فيه ، معظم الناس يتقبلونه كما هو ولا يتعجبون لأمره ولو بالنذر اليسير ، وهذا السر هو .. الزمن .. هناك تقاويم وساعات كي تقيسه ولكن هذا يعني القليل ،لأن كل واحد يعرف أنه من الممكن أن تبدو ساعة واحدة لشخص كما لو كانت هي الأزل ، ولكنها أحياناً يمكن أن تمر وكأنها لحظة واحدة _حسبما يعايشه المرء في هذة الساعة ؛ إن الزمن هو الحياة .. والحياة مقرها القلب ~ " كيف لعمل مصنف ضمن أدب الأطفال أن يجذبني بهذا القدر وأنا التى كانت تحتفل بمرور عامها ال 21 منذ أيام ! بل وأكاد أن أعطيه الخمس نجمات الخاصة بالتقييم كاملة لا يمنعني سوى الحس النقدي ! بل كيف لتلك الرواية أن تجمع بين النقيدين فنجدها وهي رواية أسطورية تعتمد على الخيال في منتهى الواقعية بهذا الشكل ! لقد أبهرنا (ميشائيل إنده ) الكاتب اليوناني بتقديمه رواية .. لا لا لا ! بل إبداعاً أدبياً ناقش من خلاله قضية هامة و مصيرية تهدد إنسانية إنسان اليوم .. صراع ما بين عقل وقلب ، ماديات وعواطف حيث كل شئ يمكن حسابه في هذا الزمن بالورقة والقلم ! أكرر ..كل شئ ! يا ترى أيهم أحق بوقت حياتنا .. كيف يمكننا ان نصل لتسوية ما .. ان نصالح العقل والقلب لنمضى بسعادة ورفاهية .. الرواية إذا امكننا القول تضع النقاط على الحروف من خلال نظرة فلسفية ساحرة إبداعية إنسيابية بالغة في الرقة والدقة والجمال والبساطة فيما يتناسب مع جمهور الأطفال ، تعج بمظاهر الإنسانية و الخيال مطعمة بالأساطير والأهم محترما عقولنا كقراء بحبكة رائعة للأحداث وأوصاف تخدم موضوع الرواية ، لا هي شديدة الإيجاز ولا طويلة وحيث تصيب القارئ بالملل ,جعلتها تنساب إإنسياباً من بين أيدينا وكلنا تشوّق حتى النهاية . فما تناقشه ليست مجرد ظاهرة سيئة بل هي مرض معدي متفشي بين أناسيّ العصر ، يمكننا تشبيهه بالڤيروسي وهذا لأن مسببيه هم السادة الرماديون .. لكن من هؤلاء ؟ 



حسناً .. كأي فيروس فهم كائنات غير حية لا تنشط إلا داخل عائلها ، والعائل هنا هو الإنسان ، تحديداً القلب فكما نعلم " الزمن حياة والحياة مقرها القلب " , حيث تقضي فترة حضانة ( إقناع) قبل أن تظهر الأعراض على مرحلتين وهي : _ أولاً : يفقد المرء تدريجياً الرغبة في القيام بأي شئ يثير إهتمامه ويصيبه الملل ، لا يعتري هذا الشعور سوى الزيادة المستمرة ببطء مع الوقت ، ويزداد الأمر سوءاً بمرور الأيام يوماً بعد يوم ، وأسبوعاً بعد أسبوع ، ويزداد الإحساس بالسأم والخواء الداخلي وعدم الرضاء عن النفس والعالم .. ثانياً : يختفي هذا الإحساس شيئاً فشيئاً ، ويصاب المرء باللامبآلاة والكآبة ، ولا يعبأ بأي شئ .. لا غضب لا بهجة لا حماس لا ضحك او حتى بكاء ! فتختفي كل مشاعره ولا يبقى له منها سوى الشعور بالغربة عن كل ما ومن حوله .. يصبح داخله بارداً مجمداً لا يستطيع حب شئ أو شخص ، وما إن تجمد قلب المرء أصبح مما يقرب للمستحيل شفاؤه ! فيهيم المرء بوجه عبوس خاو كالسادة الرماديون أنفسهم . كيف يتم ذلك ؟ وما طبيعة عملهم ؟ السادة الرماديون ( لصوص الزمن ) في حقيقة الأمر هم عصابة متخصصة لسرقة الوقت .. يقتاتوا على وقت الناس ومصيرهم الموت الحتمي بدونه ، وذلك عن طريق مراقبة كل فرد لمعرفة المدخل المناسب ، ومن ثم إرسال إحد وكلائهم لإقناعه بإستثمار وقت حياته في مؤسسه أسموها " بنك توفير الوقت " ، ومن الجدير بالذكر أنها مؤسسة وهمية هدفها الأساسي سرقة الوقت ، لكن من يهتم ! ففي نهاية الأمر السادة الرماديون حريصين كل الحرص على أن يبقوا مجهولي الهوية وغير مرئيين أصلاً .. كما أن عملائهم أولئك الذيم يولوا كل إهتمامهم لماديات زائفة يتسرب الوقت من بين أيديهم ليفني عمرهم دون شعور أو علم منهم بذلك .. دون أن يجدوا وقتاً للتفكير فيما يفعلون بأنفسهم والهوة التي يستمرون بدفع أنفسهم إليها ..بل دون حتى أن يعرفوا ما الجدوى من حياتهم لن يتذكروهم بأي حال ! ومن الجدير بالذكر أيضاً أن عملاء السادة الرماديون كثر ويكثرون مع الوقت في كل مكان وزمان فتثمر جهودهم و تلقى أفكارهم رواجاً وكأنها عدوى وبالرغم من ذلك إلا أنهم لم ينجحوا في التأثير على الأطفال ضمهم إلى قائمة عملائهم العريضة ! لذا فمن الطبيعي أن يكون ما يهدد عملهم طفلة ك " مومو " بل وينظروا إليها كعدوهم اللدود ، بل وتنتصر في حربها عليهم وتنجح في إعادة للناس زمنهم المسروق !




لكن لم وهي لا تزيد ذكاءاً عن أي طفل في عمرها ولا تمتلك قدرات خاصة ؟! _ مومو طفلة هاربة من ملجأ ، ذات مظهر غريب ، تختار مسرح أثري مهجور في حي فقير بيتاً لها فيوافق أهل الحي الطيبون على بقائها بينهم ومساعدتها .. فيحبونها ويتقرب منها الجميع ويعتبرونها صديقة كباراً وصغاراً ! لم لا وهي التي حباها الله موهبة لا يمتلكها الجميع ألا وهي .. الإستماع ، ” وإتقان مومو للاستماع كان شيئا فريدا من نوعه تماما . كانت تستطيع الاستماع بحيث يصل أناس أغبياء فجأة إلى أفكار ذكية , ليس لأنها قالت أو سألت شيئا جلب للآخرين مثل هذه الأفكار , فقد كانت تجلس هناك فقط وتستمع بكل الاهتمام وبكل المشاركة الوجدانية , وأثناء ذلك تنظر للآخرين بعينيها الكبيرتين الداكنتين , ويحس ذلك الشخص المعني كيف تنشأ بداخله فجأة أفكار لم يكن يشعر أبدا من قبل أنها بداخلهمما ورط أحد الوكلاء من السادة الرماديون_ بينما يحاول إقناعها بالإنضمام ويهددها للتوقف عن مضاربة أهدافهم_ في أن ينزلق بإنفعال أثناء حديثه معها ليطلعها ويكشف لها عن حقيقتهم وطبيعة عملهم الذي أهم جزء فيه هو .. سريته !

على كل ٍفالكاتب وبإسلوبه الذكي جعل كل ما يقوله السادة الرماديون يثير في النفس فقط إحساس بمدى بشاعته وبأهمية عكسه ! بل وحتى الهروب منه ..

فيقولون : _ما الداعي من إضاعة الوقت في إتقان عملك الذي تحبه .. إنجزه سريعاً أو إستأجر من يؤديه لك ! _ أمك المسنة بكرسيها المتحرك إتركها في دار مسنين يهتم بها ، _أنت تحب الغناء لكن ليس له فائدة .. إنه إضاعة للوقت ! _ لا تقرأ .. لا تهدر وقتك في التفكير والتأمل ، _ ليس هناك داعٍ لتهتم بهذا الحيوان الأليف .. او ببغاؤك .. _ لم تعطيها وردة .. أنت تضيع من وقتك ! _ لا تخرج مع أصدقائك .. لا تحادثهم .. ولا تقدم مساعدات او خدمات مجانية لأي كان .. _ وفّر الوقت وفّر الوقت وفّر الوقت !!! " لكن أتساءل ما الوقت إن لم يكن من أجل تلك الأشياء الثمينة ! لطالما اعتقدت إن في الحياة تقييم مادي ثالث لأي شئ يغفل عنه الكثيرون غير أن يكون رخيصاً و غالياً .. فالغالي: هو ما يمكن الحصول عليه بالمال الكثير و لكن المال مهما كثر فهو من المتاح للجميع أن يحصل عليه بسهولة و لو من خلال ورقة يناصيب رابحة ليلة حظ ! لا تمييز لرابحها ولا شروط أخلاقية أو مادية ، أما القسم الثالث فهو لتلك الاشياء التي لا تقدر بثمن .. أشياء معنوية لا يقدرها الجميع و بالتالي فلا يحصل عليها الجميع بصورتها الخالصة المجردة : أبوين عطوفين ، قلب يحبك بحق ، أصدقاء مخلصون ولو كلب وفي أو سمكة أو حتى عصفور تحبه ، أن تكون مقدراً و لك إحترامك بين الناس ، إمتلاكك عملا تستمتع به بغض النظر عن الراتب ، هدفاً تصحو لأجله كل يوم ويشعرك بوجودك .. أحلامك وخيالاتك .. إحساساتك و شعورك بغيرك وقدرتك على تقديم المساعدة ، كتبك و أفكارك ،حريتك إنطلاقك .. كل تلك الأشياء المبهجة ذكرتها أم لم اذكرها_ حتى ذلك الجمال الذي يغفل الكثيرون رؤيته لدى تأملهم السماء _هي التي تستحق ! وليأتي على رأسها الوقت .. فهو كنز حياتنا ، ومنحة الله لنا .


دائرة حياة كبيرة و عميقة نجدنا نندفع للتفكير بها بين سطراً و سطراً بل كلمة و أخرى جاءت في الرواية ! تدعما نود لو نقاتل رجال الظلال ..نقاوم البرودة ، تلك التي تنزع أي عواطف تميزنا كبشر عن غيرنا من دواب وآلات حيث تسيطر على إنسان اليوم أحداث العالم المضطرب ، "صحراء من النظام " يجب أن نكون بالوعي الكافي لتجنب العيش فيها و نحافظ على أجمل ما بإنسانيتنا .. الروح . " توجد نفائس وأوجه للثراء يمكن للمرء أن يهلك بها ، إذا لم يستطع إقتسامها مع آخرين .. " يمكنك فقط العيش بسعادة يوم تدرك أن المال وسيلة لنحيا مع ما ومن نحبهم برفاهية أكبر .. وسيلة نحقق من خلالها قدر من السعادة فوق سعادتنا بوجودهم .. تضفي توازن، راحة بال ، وإطمئنان لعدم وجود عوارض مادية قد تزعج أو تخل بإنسيابية عيشنا معهم .. لكنه حتماً سيتحول كارثة ومأزق ومنتزع للسعادة إذا ما بدأنا ننظر إليه كإنه غاية الحياة لا وسيلة ! فعلى أي حال نظرية السعادة والتي ناقشها مؤلف كتاب [ ٤ شارع النجاح ] تنص على أنه لا توجد سعادة إلا بخلق توازن وتحقيق نجاحات في أربع نواحي .. جسمانية ، قلبية ، عقلية ، وجيبية أو مادية .. وليس بإحداها دون الأخرى ! كما جاءت الرواية بشخصية جميلة ك (بيبو) الكناس والتي كانت بالنسبة إليّ رمز الصداقة .. فهو المؤمن بصديقته (مومو ) ، والمصدق لها في كل ما تقول ، المحب لها والواقف بجانبها دائما حتى أنه وبالرغم لوعيه وإدراكه بماهية السادة الرماديون فأصبح أحد عملائهم لا إقتناعاً بهم ؛ إنما لإنقاذ حياة صديقته .

كان حقاً شخصيتي الأكثر تأثيراً في الرواية .. أحببته كثيراً .. وفي هذا الصدد، ولما تألم فينغارتن لفراغ العالم من الحب كتب مسرحية (الصيف) ، وفيها ترقى لغة المسرحية لتصبح أقرب إلى الشعر في لحظات الحب ، والتوق إلى الحب .. تلك وحدها هي اللحظات الإنسانية الشفافة .. وما تبقى تفاصيل مرعبة .. حشد لا مبرر في صفحات عمرنا ..ولذا نسمع في المسرحية مثل هذا الحوار _ انا بشع وانت جميل .. _ لا .. انا أحب وانت لا تحب . " بالأخير .. فإن الروائي ماركيز عندما داهمة الزهايمر زاره صديق بقيَّ بجانبه ساعتين ولم يعرف من هو ، لكن قال له : انا لا اعرف من انت ، ولكني أعرف أنني أحبك .."


No comments:

Post a Comment